رحمة القدر لا يشعر بها سوى من ذاق حلاوتها

~~~~~~~
زمن من قديم الزمان

كان في بنت عمرها سنتين إسمها ( حصه )


أبوها إختار لها هالإسم لأنه إسم أمه

كانت تركض وتطيح تنحاش من عمتها اللي

تحاول تمشط شعرها الطويل بالنسبه لعمرها

لأن والدتها متوفيه وهي اللي كانت ترعاها

تعبت العمة من الركض و قعدت تنادي

على ( عامر ) ولد عم ( حصه ) اللي يكبرها بسنتين

لما سمعت صوته لأنه الوحيد اللي يعرف كيف يقنعها .

في يوم من الأيام جاء لعمتها نصيبها وتزوجت

وراحت لبيت زوجها اللي كان في منطقه بعيده عن بيت أخوها .

لحظتها إحتار ( أبو حصه ) بين فرحته بزواج أخته وبين تربية

( حصه ) أشاروا عليه الناس بأنه لازم يتزوج لأن البنت يبي لها

رعايه خاصه , إقتنع وتزوج ورزقه الله ببنت ثانيه

قررت زوجته تسميها ( شيخه ) لأن بنتها راح تكون

شيخة البنات فوافق على الإسم .

مرت الأيام والسنين كبروا الصغار

( شيخه ) المدلله و الدلوعه يا ويله من الويل

اللي يقول لها : شيلي عود من الأرض

لحظنها تثور الأعصاب و يتمنى الواحد تنشق

الأرض وتبلعه ولا إنه يوقف جدام أمها اللي

يتعوذ الكل من لسانها ويدها إذا زعلت دلوعتها شيخة البنات .

( حصه ) اللطيمه كان كل شغل البيت عليها

من طبخ وغسيل وتنظيف وترتيب

وما كانت تشتكي ولا تنطق بحرف رغم قسوة زوجة أبوها وأختها

كانت تمر عليها أيام من كثر التعب تنام من غير أكل .

( عامر ) ولد العم الحنون اللي كان يتحسر على حالة ( حصه )

ودايم يقول لها قولي لأبوك وترفض وتمنعه من الكلام لأنها

ما تبي تكدر خاطر أبوها .

أما الكبار فكانت حياتهم

( الأب ) دوام الصبح و يقعد بالقهوه العصر وما يرجع إلا للنوم

( زوجة الأب ) زيارات وأعراس وأسواق , أما الزوج والبيت أخر

همها .

\\
\\

حصه : أصبحنا وأصبح الملك لله , يا رب إنك تعيني

وتكفيني شر عصبية عمتي ( زوجة أبوها ) .

العمه (زوجة الأب ) : تنادي بصراخ حصه , حصه

وين الماي الدافي لوضوء أبوك ؟

حصه : لبيه يا عمه تفضلي صباحك خير وسعاده

العمه : أهو عطيني بس وين الخير وأنتي موجوده

إذلفي عسى ما يدور عليك باكر .

راحت حصه للمطبخ تجهز الريوق وهي تمسح

دموعها لا يشوفها أبوها , ولما خلص حطته بالحوش وغطته

ونادت لهم يتريقون ولما حضر أبوها صبحت عليه وباست راسه

وراحت تنظف وترتب غرفته .

الأب : بصوت دافي حنون حصه , حصه

حصه : لبيه يا بوي

الأب : تعالى وأنا أبوك تريقي ولاحقه على التنظيف الله يرضى عليك

جلست ( حصه ) بجنب أبوها وبعد ما تريقت

حمدت ربها وقامت جابت الماي لأبوها ليغسل يدينه

وراحت تسوي شغلها اللي متعوده عليه كل يوم .

في يوم من الأيام مر ( عامر ) بيت عمه ليعطيهم سمك مطرشه فيه

عمه علشان الغدى

طق الباب فتحت له ( حصه ) وهي تحاول تمسح دموعها خافت لا

يكون أبوها

اللي جاي , لكن لما شافت إنه ( عامر ) ما قدرت تخفي إنها تبكي

عامر : شفيك يا ( حصه ) عسى ما شر , ليش تبكين ؟

ردي علي علامك , ليش هالدموع ؟

يا ( حصه ) تكلمي لا تسكتين , دمعك يحرقني يا بنت عمي

كل هالأسئله و ( حصه ) ما ترد ودموعها تزيد

عامر : خلاص يا بنت عمي أبشري باللي يشيل همك

اليوم بخطبك من عمي , وعندي ما راح تشوفين الضيم بإذن الله .

راح ( عامر ) وفي نيته خطبة بنت عمه الغاليه لأنه هو الحل الوحيد

اللي يقدر عليه علشان يرحمها من همها

لكن ما كل ما تشتهي النفس تحصله

والمقدَر على الجبين لازم تشوفه العين .

( عامر ) وهو يكلم ( حصه ) نسى إن ( شيخه ) بالبيت تسمع

وتشوف

و أول ما وصلت أمها قامت تبكي , وجنت جنون أمها وقالت :

وش فيك يا بنت ؟ عسى ( حصه ) ما كدرت خاطرك ؟

ردت ( شيخه ) : يمه أنتي تقولين إن عامر يبيني ويبي يخطبني ؟

واليوم أنا سمعته يقول لـ ( حصه ) وهي تبكي إنه يبي يروح لابوي

علشان يخطبها .

الأم : وش هالكلام ؟ وش جاب ( عامر ) لكم اليوم وما في أحد بالبيت ؟

وتصرخ بأعلى صوتها ( حصه ) يا مال الذهاب وش اللي جاب

( عامر ) ؟؟

جت حصه تركض وهي ترجف وغصب تبلع ريقها من الخوف : لبيه

يا عمه

اليوم ( عامر ) جايب لنا سمك أبوي مرسله .

العمه : هيهيه , طيب وش سالفة الخطبه ؟ هين يا بنت إبليس

والله يا ( عامر ) ما ياخذ إلا ( شيخه ) .

وأخذت عباتها وراحت لإختها ولقت ولد عمهم زاير زوج إختها

سلمت عليه وعرفت إنه ما تزوج وإنه يدور له بنت حلال طبعا

على طول إنتهزت الفرصه وقالت له :

وصلت خير عروستك عندي اليوم بعد صلاة العصر تعال لابوها

وتعقد قرانك عليها بنت ما عليها قاصر مزيونه وراعية بيت ما تلقى

مثلها

ولولاك غالي ما ذكرتها لك وتراها تربية إيدي تملك البخت لا أخذتها

بعد هالكلام قال الرجل خلاص اليوم بعد الصلاة نجي لأبوها والله يجيب

اللي فيه الخير

لما وصل ( أبو حصه ) للبيت رحبت فيه ( أم شيخه ) وقالت :

هلا والله في أبو الغاليه البشاره يا بعد عيني

أبو حصه : هلا بالمهلي أبشري بسعدك فرحيني عسى الفرح فالك

أم شيخه : اليوم لقيت عند إختي ولد عمنا يدور له عروس و ذكرت

له ( حصه )

وسألني عنها ومدحتها ويبي يجيك بعد صلاة العصر ونيته يجيب الملا

معاه لأنه

بسافر لمنطقته عقب إسبوع ويبي ياخذ زوجته وياه قلت له :

أبشر وما اظن إنك بتخالفني الراي البنت ما ودك تطول خطبتها عن

العرس

وحنا وش نبي غير ستر البنت ؟

لا ترد الرجال لا جاك والله يوفقها ويسعدها .

أبو حصه : الله يجزاك خير يا وجه السعد والله يوفقها ويرزق أختها .

أم شيخة : يا عل عيني ما تبكيك تغدى يا عله مدخول العافيه

ويا بو الغاليه تراني برسل ( عامر ) يشتري لي شوية أغراض من

السوق

ويمكن ما يجي إلا عقب آذان العشاء .

أبو حصه : أرسليه باللي تبين الفلوس بالصندوق و ( عامر ) مثل

ولدك ما يردك .

وهذا هو المكتوب بالقدّر لـ ( حصه )

أرسلت ( أم شيخه ) ( عامر ) للسوق قبل صلاة العصر

و ( حصه ) عقدوا قرانها عقب صلاة العصر


ويا حسرتك يا ( حصه ) ويا قهرك يا ( عامر )

ويا فرحة قلبك يا ( شيخه )

رجع ( عامر ) و توجه لبيت عمه وعطى الأغراض

لزوجة عمه فردت عليه وقالت :

الله يعطيك العافيه عسانا نفرح بعرسك بيوم عرس حصه

وتصير الفرحه فرحتين , لا تنسى يا ( عامر ) باكر تبارك لـ ( حصه )

ترى عرسها بعد إسبوع اليوم إنخطبت وعقدنا قرانها .

طبعا عامر من صدمته ما نطق وإنسحب ودمعته بعينه .

ويوم أصبح الصبح طبعا ليله كله ما نامه من نار أشعلت جوفه

راح لعمه وقعد يسأله : كيف زوجت ( حصه ) لرجل ما نعرفه

زين ولا هو من منطقتنا , قال عمه :

هذا نصيبها والقدر ما منه مفر

قعد يبكي ( عامر ) ويقول :

يا عمي أنا أمس كنت ناوي أخطبها منك لكن زوجتك أرسلتني

أجيبلها أغراض من السوق .

بكى عمه ومسك يده وقال له :

يا ( عامر ) قوم وإمسح دموعك ( حصه ) ما هي من نصيبك .

وعقب إسبوع سافرت حصه وإنقطعت أخبارها لا زارتهم ولا هم

زاروها .

وكبر ( أبو حصه ) وصار عاجز عن الشغل وتكفل فيهم ( عامر )

وحتى يقدر يدخل بيت عمه بدون إحراج تزوج ( شيخه ) لكن ما الله

إرزقه

منها عيال لأنه كان عقيم وبعد ثلاث سنين ماتت ( شيخه ) وإنشلت

إمها

ما عاد تقدر تقوم .

بعد موت ( شيخه ) ومرض أمها أرسل ( أبو حصه ) لزوج بنته إنه

يجيب ( حصه )

ويسكن عندهم علشان تراعي ( أم شيخه ) وفعلا رجعت ( حصه )

وزوجها و عيالها

( سالم وساره ) وبعد سنه توفى زوج ( حصه ) وبعد إنتهاء فترة

الحداد

وعلشان ما يكون هناك إحراج من تواجد ( عامر ) في بيت عمه

تزوج ( حصه ) .

\\

سبحانك ربي ما أرحمك بعبادك

كيف ينظر الإنسان بأن القـــدر قاسي؟

والقدر يجينا من أرحم الراحمين

عالم الغيب سبحانه

من رحمة القدربـ ( حصه ) أبعدها لسر لا يعلمه سواه

وما إنكشف إلا بعد زواج ( عامر ) .

من رحمة القدر بـ ( حصه ) إنه رزقها بزوج طيب

من رحمة القدر بـ ( حصه ) ما إنحرمت من الإنجاب
من رحمة القدر بـ ( حصه ) إنها كسبت الثواب برعايتها لوالدها
وزوجته
من رحمة القدر بـ ( حصه ) إنه جمعها مع ولد عمها بدون إحساس

بالندم من الإثنين .

هل كانت ( حصه ) تتوقع هالرحمه من القدر, ما أعتقد ؟

يا إنسان لا تقنط من رحمةالله فالله أرحم الراحمين .